اقتصادكم
في سياق الأزمة المائية البنيوية التي يعيشها المغرب، دعت غالية مختاري، المحامية والباحثة الرئيسية في تقرير "السيادة المائية" الصادر عن المعهد المغربي للاستخبارات الاستراتيجية (IMIS)، إلى إصلاح عميق لحكامة الموارد المائية، يركز على التوزيع العادل للموارد غير التقليدية، وبناء مواطنة مائية مستدامة.
وفي حوار أجرته معها صحيفة Finances News Hebdo، حذرت مختاري من استمرار ما وصفته بـ"النجاعة الوهمية" و"مفارقة جيفونز"، وهي حالة تؤدي فيها تقنيات الاقتصاد في الري مثل التنقيط إلى نتائج عكسية، حيث تشجع على توسيع المساحات المزروعة وزراعة منتجات فلاحية أكثر استهلاكاً للماء، بدلاً من تقليص استهلاك المياه.
ثلاث رافعات لتجاوز المفارقة
ولتجاوز هذا التناقض دون الإضرار بمداخيل الفلاحين أو القدرة التنافسية للفلاحة التصديرية، اقترحت مختاري ثلاثة محاور رئيسية للإصلاح:
إصلاح نظام تسعير مياه الري: دعت إلى اعتماد تسعيرة تصاعدية تأخذ بعين الاعتبار نوعية الاستخدام (تجاري، معاشي، إلخ) وطبيعة الموارد المستعملة (متجددة أو غير متجددة)، مع مراعاة التفاوتات الجغرافية بين المناطق الأكثر تضرراً. وأكدت على ضرورة توفر عدادات موثوقة ونظام قانوني وتنفيذي محكم لضمان نجاح هذه المقاربة.
تحفيز ضريبي مبني على النجاعة المائية: أكدت على أهمية اعتماد مقاربة ضريبية ترتكز على كمية القيمة الاقتصادية المنتَجة لكل متر مكعب من الماء، بدل الاقتصار على معايير الربح الخام. ويتطلب ذلك بناء قاعدة بيانات شفافة، وإشراك المهنيين في صياغة معايير الأداء المائي للأنشطة الزراعية.
مواكبة الفلاحين الصغار والمناطق الهشة: شددت مختاري على ضرورة توفير آليات تعويض موجهة، وتسهيل الولوج إلى تمويلات التحول الزراعي، وضمان دخل مستقر للفلاحين في المناطق المتضررة، لتفادي رفض الإصلاح من قبل الفئات الاجتماعية الهشة.
وأكدت مختاري أن تجاوز "مفارقة جيفونز" يتطلب مزيجًا من النجاعة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والانضباط البيئي، وهي الشروط التي بدونها لا يمكن الانتقال إلى نموذج زراعي قائم على الترشيد المائي دون الإخلال بالتوازنات الاجتماعية والمجالية.
"حكامة معلقة" وضرورة مركزية القرار
في الشق المتعلق بالحوكمة، انتقدت غالية مختاري ما أسمته "الحكامة المائية المعلقة"، مشيرة إلى وجود خللين رئيسيين: الأول يتعلق بتعطّل أجهزة التنسيق الوطنية مثل المجلس الأعلى للماء والمناخ واللجنة الوزارية للماء، والتي لم تنعقد منذ سنوات. والثاني يرتبط بتشتت المسؤوليات وتضارب الاختصاصات بين الوزارات، ووكالات الأحواض، والجماعات الترابية، والمكتب الوطني للماء والكهرباء.
ولمواجهة هذا الوضع، اقترحت ثلاث إصلاحات كبرى:
إعادة بناء القيادة المركزية لقطاع الماء، عبر تفعيل هياكل التنسيق العليا ومنحها سلطات تقريرية واضحة.
توحيد قواعد تبادل البيانات وتنسيق الاستراتيجيات بين مختلف المتدخلين في القطاع.
تفعيل أدوات الرقابة والتخطيط المشترك على مستوى التراب الوطني، لضمان عدالة التوزيع وكفاءة استغلال الموارد.
وختمت مختاري بدعوة إلى بناء توافق اجتماعي واسع حول الإصلاح، قائلة: "لا يمكن أن تنجح أي حكامة مائية مستدامة بدون انخراط فعلي وقوي للمستعملين، من مواطنين، وفلاحين، ومستثمرين."