المغرب يرسخ نموذجا للنمو الداخلي والخارجي قائم على تنويع الصناعة

آخر الأخبار - 28-10-2025

المغرب يرسخ نموذجا للنمو الداخلي والخارجي قائم على تنويع الصناعة

اقتصادكم

 

رغم بيئة دولية تتسم بعدم الاستقرار، يواصل الاقتصاد الوطني تحقيق نمو يفوق متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، حيث يستند هذا الأداء إلى التنويع الصناعي، والتحول الطاقي، والإرادة الملكية في ترسيخ المملكة ضمن مسار تنمية مستدامة وشاملة.

وقال عبد الغني يومني، الاقتصادي والأستاذ المساعد في معهد العلوم السياسية بباريس (Sciences Po) والمتخصص في السياسات العمومية: "توقّع صندوق النقد الدولي نموًا بنسبة 3.9% لعام 2025، متأثرًا بتوقع موسم فلاحي متوسط، لكن الأمطار الغزيرة في شهري أبريل وماي أعادت تنشيط الإنتاج الحبوب بنسبة 35%، مما رفع النمو إلى 4.4%، وهي أعلى نسبة في المنطقة حيث لا يتجاوز المتوسط 2.9%."

وأضاف أن هذا الأداء يعود إلى صلابة قطاعي السيارات والطيران، حيث بلغت صادرات قطاع السيارات 160 مليار درهم بارتفاع 21%، إضافة إلى الاستثمار العمومي السنوي الذي يناهز 320 مليار درهم، والذي يواكب مشاريع التحديث اللوجستي والتحضيرات لكأس العالم 2030، مشيرا إلى أن "المغرب يعزز نموذجًا للنمو الداخلي والخارجي، قائمًا على تنويع الصناعة والاندماج في سلاسل القيمة العالمية."

كما بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 5.8 مليارات دولار بين 2024 و2025، بارتفاع قدره 43.5%، ما يعكس اقتصادًا قادرًا على تحويل التقلبات العالمية إلى فرص، بشرط أن يظل سعر الطاقة دون 80 دولارًا للبرميل وأن يبقى سعر صرف الدرهم مقابل اليورو والدولار في مستوى متوازن.

وتبقى الآفاق إيجابية بين 2025 و2030 بفضل أنظمة الري الجديدة، ونمو قطاعات السيارات والطيران والإلكترونيات، إلى جانب التحول الصناعي الكبير الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس. كما أن الطموح لتطوير صناعة بحرية ولوجستية وطنية يضع المغرب في طريقه ليصبح ركيزة للتجارة الإفريقية والأورو-متوسطية.

التبعية الطاقية: نقطة ضعف مستمرة

وحول الاعتماد على الطاقة المستوردة، يوضح عبد الغني يومني: "لا يزال المغرب يعتمد بشدة على وارداته من الطاقة، التي تغطي حوالي 94% من احتياجاته. في عام 2022، بلغت فاتورة الطاقة 120 مليار درهم، وهو رقم قياسي ناتج عن ارتفاع الأسعار العالمية بعد الحرب في أوكرانيا. وفي عام 2023، استقرت عند 122 مليار درهم قبل أن تتراجع إلى 114 مليار درهم في 2024."

ويؤكد أن هذه التقلبات تجعل الاقتصاد هشًا أمام الصدمات الخارجية، خاصة مع توالي سنوات الجفاف التي تُقلّص الإنتاج الفلاحي بنسبة تتراوح بين 15 و20% في بعض المواسم، مما يزيد من العجز التجاري والمالي.

لكن، في المقابل، تفتح التحولات الجارية في مجال الطاقة المتجددة بابًا نحو التحرر من التبعية.
فحاليًا تمثل الطاقات المتجددة 37% من المزيج الكهربائي، ومن المنتظر أن تتجاوز 52% بحلول 2030 بفضل مشاريع نور (Noor) وطرفاية والمجمعات المستقبلية للهيدروجين الأخضر في الداخلة وكلميم، كما أن "كل نقطة من الطاقة المتجددة تُعوّض الطاقة الأحفورية توفر للمغرب حوالي 2 مليار درهم سنويًا، وتُعزز احتياطاته من العملة الصعبة."

كما أن كلفة الكهرباء الصناعية (حوالي 0.117 دولار للكيلوواط/ساعة) تظل أقل من مصر (0.145 دولار) وتركيا (0.162 دولار)، ما يعزز الميزة التنافسية للمغرب.

أما عن القطاع الفلاحي، فيقول يومني:"الزراعة المغربية تمر اليوم بمنعطف استراتيجي، يتطلب توازنًا بين الربحية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة المائية."

فالمغرب لا يزال يعتمد هيكليًا على الزراعة الحبوبية الواسعة التي تغطي 70% من الأراضي الصالحة للزراعة، لكنها ضعيفة المردودية.

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن النمو المغربي يبقى مرتبطًا بشدة بالدورة الزراعية، حيث أظهرت التحليلات الاقتصادية للفترة 2004 – 2024 أن الفرق في مساهمة الزراعة بالنمو يبلغ 1.5 نقطة في السنوات الجيدة، مقابل 0.5 نقطة فقط في السنوات الجافة، مما يبرز هشاشة النموذج الحالي الذي لا يزال يعتمد على الأمطار والقطاع الأولي.

وقد مكّن مخطط المغرب الأخضر من مضاعفة الصادرات الزراعية من 22 إلى 46 مليار درهم بين 2010 و2024، لكنه في المقابل عمّق الفوارق بين الضيعات الكبرى الموجهة للتصدير والمزارع الصغيرة الهشة.

وتتمثل الرؤية الملكية السامية في تصحيح هذه الاختلالات من خلال تمكين طبقة فلاحية متوسطة تكون أساسًا لـرخاء قروي شامل، عبر التركيز على الزراعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الفواكه الحمراء، وتطوير البنيات التحتية المائية الكبرى.

وتُعد محطات تحلية مياه البحر في أكادير والداخلة والدار البيضاء، إضافة إلى مشروع “طرق الماء” الذي يربط شمال المغرب بوسطه، مشاريع هيكلية ستُحدث انعكاسات إيجابية كبرى عبر تأمين الإنتاج، وتوسيع المساحات المسقية، واستقرار الدخل القروي.