اقتصادكم
لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مخطئا، حين دعا الدول الغربية إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة انتظارات روسيا بشأن صفقة الحبوب في البحر الأسود، محذرا من أن "انسحاب موسكو من مبادرة الحبوب سيكون له تأثير سلبي كبير"، والتأثير هنا، سيمتد إلى المغرب، الذي يعول على استيراد حاجياته من الحبوب، في ظل موسم فلاحي ضعيف، فاقمت وضعيته سنوات الجفاف المتوالية.
هدا التساؤل الذي يحمل في طياته مخاوف على مستقبل التزود بالحبوب، المادة الحيوية ضمن منظومة الاستهلاك الوطنية، تحفزه الأرقام التي أعلنتها وزارة الفلاحة والصيد البحري بشأن مستوى الإنتاج المحلي المتوقعة من الحبوب يتعلق الأمر بتقديرات مؤقتة لم تتعدى 55.1 مليون قنطار عن الموسم الفلاحي 2022- 2023، علما أن الحكومة راهنت في قانون المالية الحالي على معدل نمو يرتكز على 76 مليون قنطار.
وبهذا الخصوص، يشدد محمد شيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، في تصريح لـ"اقتصادكم"، على ضرورة الاستيراد العاجل للحاجيات الوطنية من الحبوب، في ظل توقعات بعدم بلوغ المحصول المحلي في أحسن الأحوال، عتبة 70 مليون قنطار بحلول غشت المقبل
وتمسك رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، في تحليله بالظروف الصعبة التي تعرفها السوق الدولية للحبوب حاليا، إذ سجلت ارتفاعا مهما في الأسعار، يرتقب أن يتفاقم بتعليق اتفاق الحبوب مع روسيا، دون الحاجة إلى التذكير بمخلفات موجات الجفاف التي طالت عددا مهما من البلدان المنتجة، وارتفاع تكاليف الشحن والنقل، بعلاقة مع تطور أسعار المحروقات عالميا، مشددا على حاجة المغرب إلى تنويع وجهات الاستيراد والتركيز على عقود تزود عاجلة لسد الحاجيات الوطنية.
وبالعودة إلى واقع السوق الوطنية، كشف مصدر من الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية "كومادير" في اتصال مع "اقتصادكم"، عن جانب من رؤية المهنيين للوضع، موضحا أن تأثير تعليق اتفاق الحبوب مع روسيا لن يكون كبيرا على المغرب، ولا يتعين المبالغة فيه لعدة أسباب، خصوصا على مستوى التزود وتخزين القمح اللين، ذلك أن المغرب اكتسب خبرة في استقراء مسارات الأسعار بالسوق الدولية، ما مكنه من الاستفادة من أدنى الأسعار، إلى جانب اعتماده على مبدأ تنويع مصادر التزود، الذي تم تفعيله مباشرة بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية.
وبخصوص الأسعار، لا تتجه المؤشرات الحالية نحو زيادة مرتقبة، يشيف المصدر ذاته، مؤكدا أن اليقظة المبكرة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والمكتب الوطني المهني للحبوب والقطانين ومعهم وزارة الاقتصاد والمالية، مكنت من تأمين مخزونات كافية وتدبير عمليات استيراد بتكاليف معقولة، تضمن سعر 270 درهم للقنطار، عند الخروج من الميناء.
ولا تتضح خلال الفترة المقبلة أي بوادر لاستئناف اتفاق الحبوب الذي تشرف عليه تركيا، خصوصا أن روسيا متمسكة بضمان وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، الأمر الذي يتعذر تحقيقه نظرا لوقوف العقوبات الغربية عائقا أمامه، في الوقت الذي تشير التحذيرات التركية إلى أن انتهاء صفقة الحبوب في البحر الأسود سيكون له سلسلة من الآثار، من قبيل ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، والمجاعة في بعض المناطق، وموجات هجرة جديدة'.