اقتصادكم - نهاد بجاج
يواصل المغرب ترسيخ مكانته كأحد أبرز الفاعلين في سوق الطاقات المتجددة بإفريقيا، بفضل رؤية استراتيجية تمتد لأكثر من 15 سنة، تقوم على تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستقلال الطاقي في غياب الموارد الأحفورية التقليدية.
وفي هذا السياق أكدت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أن المغرب يتموقع كأحد أكثر البلدان تنافسية في مجال الطاقات المتجددة، مشددة على أن المملكة تعد من بين الدول القادرة على فرض نفسها في السوق العالمية للطاقة الخضراء.
وأوضحت الوزيرة، في تصريح على هامش الدورة 61 لمؤتمر ميونيخ للأمن، أن المغرب "تجاوز هدفه الأولي المحدد في 42% من القدرة المركبة للطاقات المتجددة ضمن مزيجه الطاقي، ويطمح الآن إلى بلوغ 52% بحلول سنة 2030".
وأضافت بنعلي، أن التجربة المغربية في تطوير الطاقات النظيفة وجذب الاستثمارات الخاصة على مدى ثلاثة عقود ساهمت في تحديث البنية التحتية الطاقية وتعزيز التكامل الإقليمي، باعتبار المملكة ممرا استراتيجيا بين إفريقيا وأوروبا والمحيط الأطلسي.
ومن جهته أكد أمين بنونة، الخبير في المجال الطاقي، في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن "موقع المغرب لا بأس به مقارنة بالدول الرائدة كجنوب إفريقيا ومصر"، مشيرًا إلى أن المملكة "تمكنت من ترسيخ حضورها بفضل رؤية واضحة تقوم على تنويع مصادر الطاقة وتعبئة الاستثمارات العمومية والخاصة".
الاستقلال الطاقي
يرى بنونة أن الحديث عن الريادة المغربية لم يعد مقتصرا على الترتيب أو الحضور القاري، بل تجاوز ذلك إلى سعي المملكة لتحقيق استقلال طاقي فعلي في ظل غياب موارد النفط والفحم والغاز الطبيعي، موضحا أن هذا التوجه يجعل من الطاقات المتجددة خيارا استراتيجيا لا بديل عنه، إذ تساهم اليوم في تقليص كلفة الاستيراد وتحسين التوازن الطاقي الوطني.
مشاريع نور والرياح
وعن المشاريع التي تعزز هذا التموقع، أشار الخبير إلى أن مشروع "نور ورزازات" يبقى حجر الزاوية في الاستراتيجية المغربية، رغم كلفته المرتفعة في البداية، قائلا: "نور ورزازات كان مكلفا في سنواته الأولى، إذ بلغت كلفة الكيلوواط ساعة حوالي درهم ونصف، لكن "مازن" تمكنت من تصحيح المسار وتحقيق أرباح عبر مشاريع الرياح".
وأضاف أن الطاقة الريحية تشكل اليوم نقطة قوة حقيقية للمغرب، بفضل الصفقة الوطنية الكبرى التي سمحت بإنتاج حوالي 60% من مكونات المولدات محليا، ما يعزز التصنيع المحلي ونقل الخبرة التكنولوجية، أما في المقابل، فالطاقة الشمسية ما زالت متأخرة نسبيا، في حين يبرز المغرب كرائد إفريقي في ميدان الهيدروجين الأخضر.
يعتبر بنونة أن الهيدروجين الأخضر يمثل رهانا استراتيجيا واعدا، لكن استخداماته الحالية في المغرب تبقى صناعية أكثر من طاقية.
وقال في هذا الصدد إن المكتب الشريف للفوسفاط يسعى لإنتاج نحو مليون طن من الأمونيا الخضراء في المدى القريب، و2 مليون طن على المدى المتوسط، ما يتطلب نحو 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر لكل مليون طن من الأمونيا.
وأكد أن هذه المشاريع ستجعل المغرب رائدا في سوق الأسمدة الخضراء عالميا، رغم أن استعمال الهيدروجين الأخضر لإنتاج الكهرباء لا يزال غير اقتصادي في الوقت الراهن.
أما على مستوى التحديات، فيضع بنونة التمويل على رأس العقبات التي تواجه القطاع، معتبرا أن الولوج إلى التمويلات الميسرة والمستدامة هو ما سيحدد قدرة المغرب على تسريع التحول الطاقي.
كما شدد على أن الجانب التكنولوجي يظل بدوره حاسما، خاصة في ما يتعلق بضرورة تطوير صناعة محلية للمولدات الكهربائية وتجهيزات التخزين.
البطاريات مفتاح المرحلة المقبلة
ويرى الخبير الطاقي أن المرحلة المقبلة ستعرف تحولات جذرية بفضل الانخفاض المتواصل في أسعار البطاريات، موضحًا أن "دولا مثل أستراليا الجنوبية وألمانيا أثبتت أن الجمع بين الطاقات الريحية أو الشمسية وتخزينها بالبطاريات أصبح اليوم خيارا اقتصاديا ومتحكما فيه".
وأضاف أن المغرب، إذا سار في هذا الاتجاه، سيصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، لأن التحدي الأكبر لم يعد في الإنتاج، بل في القدرة على التحكم في توقيت توزيع الكهرباء.
خلص بنونة إلى أن الرهان الحقيقي للمغرب اليوم ليس فقط الحفاظ على موقعه الريادي، بل بناء نموذج إنتاج وتخزين وتصدير مستدام للطاقة النظيفة، مشيرا إلى أن التحكم في تكنولوجيا البطاريات وتطوير الهيدروجين الصناعي سيضعان المغرب في مصاف الدول المصدرة للطاقة الخضراء بإفريقيا.