مكاسب واعدة وتحديات صعبة تواجه النمو التصاعدي لقطاع البناء بالمغرب

آخر الأخبار - 03-10-2025

مكاسب واعدة وتحديات صعبة تواجه النمو التصاعدي لقطاع البناء بالمغرب

اقتصادكم

 

يشهد قطاع البناء في المغرب دينامية تصاعدية ملحوظة، مدفوعة باستثمارات ضخمة في مشاريع بنية تحتية كبرى، وارتفاع قوي في الاستثمارات الأجنبية المباشرة (IDE)، وتخفيف الإجراءات التنظيمية. ومع ذلك، لا تزال بعض العراقيل قائمة، ينبغي تجاوزها للحفاظ على هذا الزخم الإيجابي.

ويعزز المغرب اليوم من استثماراته في مشاريع ضخمة تشمل البنية التحتية الطرقية والمينائية والمائية. من أبرزها، إطلاق المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) برنامجًا بقيمة 29 مليار درهم لاقتناء 168 قطارًا جديدًا، ضمن مخطط سككي شامل يمتد إلى أفق 2030 بتكلفة إجمالية تصل إلى 96 مليار درهم.

كما يجري تمويل مشروع محطة تحلية مياه البحر الكبرى في الدار البيضاء، بتكلفة تقدر بـ 6.5 مليار درهم، كجزء من خطط المملكة لمواجهة التغيرات المناخية وشح الموارد المائية.

إصلاحات تنظيمية لتيسير البناء

وفي أبريل 2025، أعلنت الحكومة عن مجموعة من التدابير لتسهيل عمليات البناء، من بينها السماح ببناء منازل على قطع أرضية أصغر حجمًا، وإنشاء إدارة متخصصة لدراسة ملفات المشاريع، وتقليص الوثائق المطلوبة للحصول على تراخيص البناء، وتقديم دعم تقني ومعماري للمواطنين.

وفي يوليوز من نفس السنة، صادق المغرب على 47 مشروعًا في مجالات مثل السيارات، الطاقة، السياحة وغيرها، بإجمالي استثمارات بلغ 51 مليار درهم، بدعم من مؤسسات دولية، مثل البنك الإفريقي للتنمية الذي موّل مشاريع نقل بقيمة تجاوزت 10 مليارات درهم.

خلق فرص الشغل ومؤشرات نمو قوية

انعكست هذه الدينامية بشكل ملموس على سوق الشغل، حيث تمكن قطاع البناء والأشغال العمومية من خلق 25.000 منصب شغل صافٍ خلال الربع الأول من 2024، مما يؤكد دوره كقطاع مضاد للدورات الاقتصادية في ظل التباطؤ العالمي، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد كشيك.

كما سجلت مبيعات الإسمنت زيادة بنسبة 9.8% حتى نهاية يونيو، و10.4% حتى متم غشت 2025، مما يعكس تسارع وتيرة الأوراش المفتوحة.

توقعات نمو مستمرة حتى 2029

وفقًا لتقرير "صناعة البناء في المغرب"، يُتوقع أن يحقق القطاع نموًا حقيقيًا بنسبة 3.9% خلال 2025، ومتوسط نمو سنوي يبلغ 3.8% بين 2026 و2029. ويعزى ذلك إلى ضخ استثمارات كبرى في مشاريع الطاقات المتجددة، البنية التحتية، والاستعداد لتنظيم كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

وأبرز تقرير المندوبية السامية للتخطيط (HCP) أن القيمة المضافة للقطاع ارتفعت بـ 6.3% خلال الربع الأول من 2025، في استمرار لمنحى إيجابي انطلق منذ 2024. كما قفزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بـ 40.6% في أول شهرين من السنة، لتبلغ 6.1 مليارات درهم، في مؤشر قوي على ثقة المستثمرين الدوليين.

انعكاسات على سلاسل القيمة المحلية

استفادت المقاولات الصغرى والمتوسطة (PME) من هذه الدينامية من خلال تقسيم الصفقات العمومية وتوسيع مجال المناولة. وأكد كشيكش، في حوار مع جريدة "Finances News  Hebdo " أن سلاسل القيمة الصناعية واللوجستية الوطنية انتعشت بفعل ارتفاع الطلب على الإسمنت، مما أثر إيجابًا على قطاعات الخرسانة الجاهزة، والحديد، إضافة إلى تأثير البرامج السككية والمائية على مجالات الإشارات والهندسة الكهربائية والنقل.

تحديات هيكلية تهدد وتيرة الإنجاز

رغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال بعض التحديات ماثلة، من أبرزها ضعف تنفيذ الميزانيات الاستثمارية: حيث لا يتم صرف سوى 60% من الاعتمادات المخصصة، مما يؤدي إلى تأخر في إنجاز المشاريع، والهشاشة اللوجستية: 11% من المقاولات المصرح بها لدى HCP تعاني من مشاكل في التوريد، ونقص الكفاءات التقنية المتخصصة في مجالات السكك والهندسة المائية والكهرباء، بالإضافة إلى الاعتماد على العوامل المناخية الذي يهدد وتيرة التنفيذ، خاصة في ظل مشاريع ضخمة مثل خطة السكك الحديدية ومحطة تحلية المياه في الدار البيضاء.

ولضمان استمرارية النمو وتفادي الاختناقات المحتملة، دعا الخبير أحمد كشيكش إلى اعتماد تخطيط استثماري متعدد السنوات ينسق بين التكوين المهني، نقل التكنولوجيا، وسرعة الإنجاز، خاصة في المشاريع ذات البعد الاستراتيجي.