مهدي حبشي
جولة بشارع "بني مكيلد" وسط مدينة الدار البيضاء قبل ديربي الرجاء والوداد، كفيلة بتسليط الضوء على مشكلة اقتصادية كبرى تعانيها جل الأندية المغربية؛ الاستغلال التجاري غير القانوني للعلامة التجارية.
إنها أرباح مالية ضخمة، كان يجدر بها ملء خزائن الأندية المعنية، لولا أن القرصنة اقتادتها إلى جيوب لا تجمعها بالأندية علاقة عدا الاستغلال.
مجرد رمز، بملايين الدولارات..
تعد العلامة التجارية من أهم الأصول اللامادية التي تملكها كل شركة، فهي ضمانتها للمستهلك بشأن جودة المنتج أو الخدمة، وعادة ما تكون كفيلة بحثه على شراء منتج قبل تجريبه، لأنها لا تتأتى للشركة المالكة إلا بعد جهد متوسط أو طويل المدى لكسب ثقة الزبون.
ويُعرّف البند 133 من القانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، العلامة التجارية باعتبارها: "رمزاً قابلا للتمثيل الشكلي، يُستخدم لتمييز المنتجات أو الخدمات لشخص أو مقاولة".
قد يبدو التعريف أعلاه أنسب للشركات التجارية أو الخدماتية، لكن تحول الأندية المغربية منذ نحو سنتين إلى نمط الشركات عوض الجمعيات، فتح باب النقاش حول حِماية علاماتها التجارية، باعتبارها مصدراً مهماً للدخل وعامل جذب للاستثمارات الخاصة.
وتكفي إطلالة على قيمة العلامات التجارية لبعض الأندية العالمية لإدراك جسامة الخسائر لدى قرصنتها؛ إذ يتصدر ريال مدريد الإسباني القائمة بعلامة تجارية قيمتها 1.499 مليار دولار. متبوعا بغريمه برشلونة بـ1.487 مليار دولار، فمانشستر يونايتد الإنجليزي بـ1.327 مليار دولار.
رمز جذاب للمستثمرين
يحذر الخبير في الاقتصاد والحكامة الرياضيين، عبد الرحيم غريب، من فقدان الأندية المغربية جاذبيتها للاستثمار الخاص نتيجة قرصنة علاماتها التجارية: "تلك العلامة أثمن أصل في جعبة الأندية المغربية، سيما أنها بخلاف أندية أوروبا لا تمتلك ملاعبها، فليس عندها ما يغري مستثمراً بشراء أسهمها غير الأرباح الممكنة من المتاجرة في تلك العلامة".
علاوة على ذلك، تكتسي العلامة التجارية أهمية بالغة للجمعيات الرياضية، في علاقتها مع الشركات التي ستتولى تدبير الأندية مالياً: "بما أن القانون 30-09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية، نص على امتلاك الجمعيات ثلث أسهم النادي على الأقل عند تحوله لشركة، فالعلامة التجارية إحدى الأصول التي تساهم بها الجمعية لضمان حِصتها في النادي" يضيف الأستاذ بالمعهد الوطني للتجارة والتسيير.
وبالنسبة لنادٍ رياضي، قد تكون علامته التجارية أثمن من أي شركات أخرى بحكم العواطف التي تجمعه بجمهوره. شعبية لم يكسبها إلا بجهد عقود من الأمجاد والألقاب، أو الأداء المغري بالفرجة، أو النجوم التي تلعب أو لعبت بقميصه... كلها تفاصيل تتفاعل لتصنع قيمة علامته التجارية.
ولا يتعلق الأمر بالمنتجات ذات الطابع الرياضي فحسب؛ فمشجع نادٍ رياضي يميل لكل ما يمت بصلة لناديه من ألوان وشعارات ورموز... ومن غير المستبعد أن يفضل مُشجع ودادي عِلكة أو حلوى يحمل غلافها شعار الوداد على حساب منافساتها في السوق، كما يحدث أن يميل مشجعو الرجاء لاقتناء ألبسة خضراء اللون أو مزينة بصور ولوحات لاعبي النسور...
القانون يزجر ولكن...
لأجل ما سبق يُجرّم القانون تحقيق أرباح مالية لفائدة جهة أخرى غير النادي نفسه، ومن يملكون أسهمه، عبر المتاجرة في ما ينتمي لعلامته التجارية.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي كل من يتاجر في مُنتج يحمل علامة تجارية، مسجلة باسم شخص حقيقي أو معنوي آخر، تزييفا يعاقب عليه القانون.
من جهته لا يختلف القانون المغربي في هذا السياق، إذ ينص القانون 17.97 على عدد من العقوبات المدنية والجنائية في حق من تبثت في حقه ممارسة التزييف أو استغلال علامة تجارية مملوكة للغير.
ويحق للمحكمة التجارية إصدار جملة من العقوبات المدنية في هذا السياق؛ مثل المنع من مواصلة التزييف، أو الأمر بمصادرة وإتلاف المنتجات المزيَّفة، بل حتى الوسائل والمعدات المستخدمة في عملية التزييف. كما يحق لها الحكم بتعويض المتضرر مالياً.
ويمكن للمحكمة إصدار عقوبات جنائية في حق المزيفين بنص المادة 225 من القانون المذكور: "يُعاقب المُزيف بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة مالية من 50.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط". فضلاً عن الحرمان من عضوية الغرف المهنية.
وعلى الرغم من هذه الترسانة القانونية، إلا أن استغلال العلامات التجارية للأندية مازال مستفحلا؛ بحيث اعتبر عبد الرحيم الغريب، أن المحكمة التجارية غير مسؤولة عن ذلك؛ "المسؤولية تقع على عاتق الأندية، فهي لا تعمل على حماية علاماتها التجارية وقلما تتابع مستغليها قضائياً، مع العلم أن أندية عربية وعالمية تحصل مداخيل لا يستهان بها من تعويضات استغلال العلامة التجارية".