اقتصادكم - حنان الزيتوني
في ظل توسع القطاع غير المهيكل وتأثيره المتزايد على الاقتصاد والمجتمع، أكد علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي، أن تطويره لا يقتصر على “التقنين” فقط، بل يحتاج إلى رؤية شاملة تمزج بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشددا على أهمية توفير فضاءات مهنية، تسهيل التمويل، تبسيط المساطر، وتعبئة الجماعات الترابية والفاعلين المحليين لإنجاح الانتقال نحو المأسسة.
مكون اقتصادي معقد
وأورد الغنبوري، في ورقة تحليلية تقاسمها مع موقع "اقتصادكم"، أن نتائج البحث الوطني حول القطاع غير المهيكل لسنة 2023/2024، الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط، توفر معطيات دقيقة تصلح كمنطلق لوضع سياسة عمومية مندمجة. ويرى أن هذه السياسة يجب أن تتجاوز المقاربة الزجرية وتعتمد التحفيز والإدماج التدريجي، لتحويل هذا القطاع من مصدر للهشاشة إلى رافعة للتنمية، وتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أوسع.
وشدد المتحدث ذاته، على أن القطاع غير المهيكل يعد من بين المكونات الاقتصادية الأكثر تعقيدا في المغرب، إذ تظهر معطيات البحث الوطني صورة مزدوجة، بين دينامية في خلق فرص الشغل وتوفير مصادر للدخل من جهة، ومظاهر هشاشة تؤثر سلبا على النسيج الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى. وكشفت الدراسة يضيف الغنبوري وجود أكثر من مليوني وحدة إنتاج غير مهيكلة، يتركز أغلبها في الوسط الحضري، خاصة بجهة الدار البيضاء-سطات بنسبة تفوق 22% من إجمالي القطاع، وهو ما يثير تساؤلات حول فعالية السياسات العمومية في تنظيم هذا الفضاء الاقتصادي.
منطق البقاء لا الاستثمار
وتابع الغنبوري في تحليله قائلا: إن "أغلب هذه الوحدات تشتغل بطريقة عشوائية، حيث تعمل أكثر من 85% منها بفرد واحد وبدون مقر مهني.
وأبرز أن هذا النمط يعكس منطق البقاء لا منطق النمو أو الاستثمار، ما يساهم في هشاشة الدخل، وضعف جودة المنتجات والخدمات، ويؤثر سلبا على القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
وبخصوص نوعية الأنشطة، أوضح الغنبوري أن التجارة تهيمن على القطاع غير المهيكل، وهو ما يبرز محدودية التحول نحو أنشطة ذات قيمة مضافة. ورغم بروز بعض الدينامية في قطاعي الخدمات والبناء، إلا أنها تظل دون مستوى الطموح، خاصة في ظل غياب شروط العمل اللائق والبنية التحتية الأساسية، مما يعمق من هشاشة القطاع ويبرز الحاجة إلى دور أكبر للجماعات الترابية في التأطير والمواكبة.
تحديات التسجيل والتأطير
وأشار الغنبوري إلى أن إشكالية التسجيل الإداري تشكل عائقا كبيرا، حيث أن أقل من 15% من الوحدات مسجلة ضريبيا، وأقل من 10% منخرطة في الضمان الاجتماعي.
وأكد أن الوحدات التي تتوفر على محلات مهنية تكون أكثر ميلا للتسجيل، ما يبين العلاقة الوثيقة بين البنية المادية ومستوى التنظيم، ودعا الغنبوري في هذا السياق إلى دعم البنيات التحتية كمدخل لتوسيع قاعدة المهيكلين.
وعلى المستوى الاجتماعي، شدد الغنبوري على أن النساء لا يمثلن سوى 7.6% من أرباب هذه الوحدات، ما يعكس ضعف تمثيليتهن داخل القطاع. ويعزو ذلك إلى صعوبات التوفيق بين العمل والأسرة، والحواجز الثقافية والاجتماعية، إضافة إلى ضعف التأهيل المهني وغياب تكوينات ملائمة، ما يحد من فرص ترقي النساء في المجال غير المهيكل.
تمويل ذاتي ومحدودية الثقة
وفيما يتعلق بالتمويل، يرى رئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي، أن أغلب هذه الوحدات تعتمد على التمويل الذاتي، في ظل غياب شبه تام للولوج إلى التمويل البنكي أو الصغير، وتابع مؤكدا أن هذا الوضع يعكس ضعف الثقة في النظام المالي من جهة، وعدم ملاءمة شروط التمويل لواقع هذه الفئة من جهة أخرى، ويقترح التفكير في تطوير حلول تمويلية بديلة، مخصصة للقطاع غير المهيكل، تكون بسيطة وسهلة الولوج.
وتوقف الغنبوري عند ما ورد في تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول التراجع الطفيف في نسبة الأسر التي تتوفر على وحدة إنتاج غير مهيكلة، خاصة في العالم القروي، مبرزا أن ذلك قد يعزى إما إلى تحسن نسبي في الاندماج الاقتصادي أو إلى انسحاب بعض الأسر من النشاط الاقتصادي بسبب تداعيات الأزمة، وفي الحالتين يظل التحدي الأساسي هو ضمان عدالة ترابية وتوسيع آفاق العيش الكريم خارج المدن الكبرى.
هشاشة الشغل
أما بخصوص التشغيل، فيؤكد الغنبوري أن القطاع غير المهيكل يساهم بـ33% من مناصب الشغل غير الفلاحية، إلا أن طبيعته تبقى غير مستقرة، حيث لا يمثل الأجراء سوى 10% وغالبا بدون عقود أو حماية اجتماعية. كما تعتمد آليات التوظيف على العلاقات الشخصية أو العائلية، ما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص ويعزز منطق الزبونية بدل الكفاءة.