اقتصادكم - محمد بوعزاتي
يعيش القطاع العقاري في المغرب مرحلة انتقالية دقيقة بين تباطؤٍ في وتيرة المعاملات من جهة، وبوادر انتعاش استثماري محتمل من جهة أخرى، في ظل مؤشرات جديدة توحي بتراجع تدريجي في أسعار الفائدة البنكية، وتوسع برامج الدعم المباشر للسكن التي أطلقتها الحكومة بتعليمات ملكية. هذا التفاعل بين السياسة النقدية والدعم العمومي قد يرسم ملامح دورة عقارية جديدة خلال الأشهر المقبلة.
تراجع أسعار الفائدة يبشر بانتعاشة قادمة
كشفت أحدث معطيات بنك المغرب أن أسعار الفائدة على القروض العقارية تراجعت إلى 5.13% خلال الفصل الثاني من 2025، وهو مستوى يعد الأدنى منذ فترة، ما يفتح المجال أمام إعادة تنشيط الاستثمار في القطاع.
ويرى إدريس الفينة، المحلل الاقتصادي المختص في قطاع العقار، أن “سعر الفائدة البنكية يؤثر بشكل مباشر على قرار الشراء أو الاستثمار في القطاع العقاري”، مضيفا في حديثه مع موقع “اقتصادكم” أن التراجع الملحوظ في أسعار الفائدة “يخلق دينامية جديدة في مجال الاستثمار والاقتناء”.
ويتوقع الفينة أن تشهد الأشهر المقبلة مزيدا من التراجع في سعر الفائدة المرجعية التي يحددها بنك المغرب، “وهذا سيجعل أسعار الفائدة تنخفض أكثر، سواء على اقتناء المساكن أو القروض الممنوحة للمنعشين العقاريين”، ما سيدفع بالمزيد من الاستثمارات عبر مختلف شرائح السوق، من السكن الاقتصادي إلى العقارات الفاخرة.
برامج الدعم المباشر تحفز الطلب
إلى جانب التطورات النقدية، تلعب سياسة الدعم المباشر دورا محوريا في إنعاش السوق. فقد استقبلت المنصة الرقمية لبرنامج دعم اقتناء السكن أكثر من 166 ألف طلب، استفاد منها حتى الآن أكثر من 68 ألف مواطن، بينهم 63% تقل أعمارهم عن 40 سنة.
وأكدت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، أن البرنامج الممتد من 2024 إلى 2029 يهدف إلى “تعزيز القدرة الشرائية وإرساء عدالة اجتماعية وتحفيز الاستثمار في القطاع السكني”، مع التركيز على المدن الصغرى والمتوسطة.
ويعتبر الفينة أن برامج دعم السكن “محفزة للطلب”، مشيرا إلى أن “العدد الكبير للطلبات يعني أن الحاجيات مازالت كبيرة، وأن آلية التعامل المباشرة فعالة أكثر من الآلية السابقة التي كانت تعتمد على الإعفاء الضريبي”.
ركود مؤقت قبل الانتعاش
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال السوق تعاني من تداعيات الركود الذي طبع الفصل الثاني من العام الجاري. فقد أظهرت معطيات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية وبنك المغرب تراجع عدد المعاملات بنسبة 10.8%، مع انخفاض بـ15.1% في مبيعات العقارات السكنية.
وعلى أساس سنوي، تراجعت المعاملات بواقع 21.2%، ما يعكس استمرار الضغوط على السوق، خاصة في مدن كبرى مثل الدار البيضاء وطنجة.
ففي العاصمة الاقتصادية انخفضت الأسعار بنسبة 0.5% والمبيعات بـ13.9%، فيما سجلت طنجة تراجعاً أكبر بلغ 19% في المعاملات. في المقابل، تميزت الرباط بأداء إيجابي، حيث ارتفعت الأسعار بـ14% والمعاملات بـ4.3%.
حاجيات متزايدة تدعم الاستثمار
يؤكد إدريس الفينة، في حديثه مع "اقتصادكم"، أن الطلب السكني في المغرب مازال في منحى تصاعدي قوي، موضحا أن النمو الديموغرافي المتسارع يضيف إلى السوق كل سنة قرابة 200 ألف أسرة جديدة تبحث عن سكن، ما يجعل الحاجة إلى العرض السكني أكبر من أي وقت مضى.
ويعتبر الفينة أن هذا الزخم الديموغرافي، مدعوما بتحسن مرتقب في شروط التمويل البنكي، يفتح الباب أمام دورة استثمارية جديدة في القطاع العقاري، ستشمل مختلف الأصناف من السكن الميسر إلى المشاريع الرفيعة، مؤكدا أن العقار مرشح ليستعيد مكانته كأحد أعمدة النمو الاقتصادي في المغرب خلال السنوات المقبلة.
آفاق واعدة رغم التحديات
رغم الركود الظرفي، تبدو آفاق قطاع العقار المغربي واعدة على المدى المتوسط. فانخفاض أسعار الفائدة المتوقع، مع استمرار برامج الدعم الحكومي وتسريع المصادقة على وثائق التعمير، يرسم ملامح انتعاش مرتقب.
وتؤكد وزيرة الإسكان أن 90% من الجماعات باتت مغطاة بوثائق التعمير، مع المصادقة على 405 وثيقة خلال الولاية الحكومية الحالية، ما يسهم في ضبط التنمية العمرانية وتوفير شفافية أكبر.
في المحصلة، يقف القطاع العقاري المغربي عند منعطف حاسم، بين ركود ورثه عن فترة ارتفاع أسعار الفائدة، وانتعاش مرتقب تغذيه سياسات نقدية ومالية محفزة، إلى جانب طلب هيكلي متنام يفرضه الواقع الديموغرافي والاجتماعي للبلاد.