الصغيرة أتت من حي من الأحياء الفقيرة بضواحي المدينة، لكنها كانت تملك ماءا مباركا للغفران ونظرات ثاقبة لأولئك الذين اعتادوا ري عطش الموتى.
باب الحجرة الرمادي، حيث أشرف أخي وأمي وعمتي على غسل الميت، تلاشى كما بالسحر. لا أرى الجدران ولا الأثاث، لا شيء غير الضوء القوي المهيب يملأ الغرفة، سحابة من الروائح والعطور والعبق الأثيري وجثمان والدي في الوسط.
هل أنا ألوم أمي؟ يا للسؤال؟ طبعا لا، ثم إن هذه الأخلاقيات اللعينة لا شأن لها هنا، حتى أنني لا أستطيع القول بأنني سامحت لأن ما كانت تفرضه علي كعقاب، كان جزءا من دورها كأم، وهو ما لم أكن لأفهمه بشكل مباشر، بالنسبة لي كان من الطبيعي أن تضرب أم ابنها، طالما كل الأمهات يفعلن ذلك لماذا لا تفعله هي؟ لم أكن لأفهم ما يحل بي وأنا صغير، لكني سرعان ما تعلمت التحمل وأنا أحمل على عاتقي تعاسة الآخرين.
في الليل، كثيرا ما تلفني عتمة الماضي. أتذكر صوت ذلك الطفل الذي كنته، هائما في شوارع مظلمة يكسوها الخوف المحموم، بملامح مشدودة كملامح رجل عجوز، وأحشاء منكمشة من الجوع، والغضب والخوف.
في هذه الأثناء بالحي وفي سن العاشرة، كنت بالفعل أكبر فتى. حتى المراهقين الذين يكبرونني بست سنوات كانوا يستشيرونني بشأن حكاياتهم أو مشاكساتهم في حي آخر أو مشكلة ما في الثانوية أوعن حب جديد.
الحفرة المقصودة كانت ب13، بلوك6، ثم ب229، وفي وزمن قصير انتقلنا إلى119.هنا، يجب التوقف لحظة على هندسة هذه الفضاءات المخصصة لحياة سيئة الإقامة. لم نعرف أبدا لما كل هذه المنعطفات، وتغيير العناوين، لابد وأنه يخفي الكثير من الخدع. باختصار، الرقم المقصود كان ليكون ميمونا لو أننا راهنا عليه في اليانصيبᴉ كنت لأراهن بكل شيء لأجل تغيير العنوان، لكن من حقي أن أحلمᴉ تم رمي النرد وربحت جميع الرهانات مسبقا.
بلوك الكدية لم يكن ذخيرة من الوجوه الراسخة فحسب والتي سوف أعيدها للحياة يوما متفجرة بين غضب وحب، بين رعب وغموض. كان أيضا مكان الآلام الأولى وأولى أشجان الحب.
في يوم من أيام الجمعة، كان المطر غزيرا والسيل قوي كالطوفان. حوالي منتصف النهار، يأخذ رؤوف طريق الجامع ليصل إبان خطبة اليوم الفضيل، يقاطع الفقيه بسؤال يؤرقه دائما:" بماذا يشعر الله عندما يسبه أخد مخلوقاته؟ ".
كبرت مع عرابين كانوا يقودون الحي بإشارة إصبع وبطرفة عين. الأول كان أكبر تاجر كحول، ونبيذ أحمر فاسد يبيعه بخمس دراهم للتر الواحد في بواقل بلاستيكية.
منذ ذلك اليوم، لم نتبادل كلمة واحدة، لم أعرف كيف أفسر هذا، أ بالخوف؟ أم بالازدراء لأنني كنت ممددا بالأرض من طرف والدها؟ ذلك المشهد الراسخ الذي تابعته، لعلها نسيته تقريبا أصبح متلاشيا؟ لم أعرف ما الذي حدث. لم أفهم أبدا لماذا صديقتي لم تعد صديقتي.