كيف يبني المغرب شراكات جنوب-جنوب بديلة للبعد الكلاسيكي؟

ملفات خاصة - 10-06-2025

كيف يبني المغرب شراكات جنوب-جنوب بديلة للبعد الكلاسيكي؟

اقتصادكم - حنان الزيتوني

 

في ظل التحولات الجيو-اقتصادية المتسارعة التي يعرفها العالم، تتجه العديد من الدول نحو مراجعة تحالفاتها التقليدية، بحثا عن نماذج شراكة أكثر توازنا وإنصافا، والمغرب بدوره قد تبنى خلال السنوات الأخيرة توجها واضحا نحو تعميق التعاون جنوب-جنوب، كخيار استراتيجي يتجاوز البعد الدبلوماسي الكلاسيكي ليصبح أداة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، خاصة في القارة الإفريقية. 

رؤية متكاملة

قال الخبير الاقتصادي المهدي لحلو إن "التعاون جنوب–جنوب لم يعد مجرد اختيار سياسي ظرفي، بل أضحى ركيزة أساسية في هندسة المغرب لعلاقاته الدولية".

وأبرز لحلو في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن هذه المقاربة ترتكز على ثلاثة محاور مترابطة: الاستثمار والتنمية الاقتصادية، دعم الأمن والاستقرار، والبعد الإنساني. 

وأوضح لحلو أن المغرب بات يشكل حلقة وصل استراتيجية بين بلدان الجنوب، بفضل موقعه الجغرافي وانخراطه الفاعل في مختلف المبادرات الإفريقية والإقليمية، ما يمنحه مصداقية متزايدة في صياغة بدائل للتحالفات التقليدية التي تهيمن عليها القوى الكبرى.

توجه اقتصادي

وأفاد الخبير بأن السياسات المغربية الحالية، خاصة تلك التي تركز على تقوية التعاون مع دول إفريقيا جنوب الصحراء في ميادين مثل الفلاحة، الطاقات المتجددة والتكوين المهني، تعكس إرادة حقيقية لتأسيس شراكات متوازنة تقوم على المنفعة المتبادلة عوض التبعية، مشددا على أن هذه الرؤية تفتح آفاقا جديدة لمشروع تنموي متكامل.

وأضاف أن هذا النهج يسمح بتجاوز اختلالات الماضي وفتح المجال أمام نموذج جديد للتعاون الدولي، يتبنى مقاربة تشاركية قائمة على التمكين المشترك ونقل الخبرات، بما يسهم في تحصين دول الجنوب من تقلبات الاقتصاد العالمي. 

الجنوب الاستراتيجي

ومن جهة ثانية، يرى المحلل السياسي لحسن أقرطيط أن اختيار المغرب التوجه نحو دول الجنوب لبناء شراكات واتفاقات تجارية، يعد خيارا استراتيجيا وواقعيا، تفرضه التحولات الجيو-اقتصادية والجيو-سياسية العالمية، التي أفرزت حاجة ملحة لإعادة تموقع الفاعلين الصاعدين ضمن منظومات بديلة عن الثنائية التقليدية شمال-جنوب.

وأكد أقرطيط في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن الجنوب بموارده الطبيعية وطاقاته البشرية، أصبح يشكل خزانا هائلا للفرص، مذكرا بأن القارة الإفريقية وحدها يرتقب أن تضم حوالي ملياري نسمة في أفق 2050، مما يجعلها محورا أساسيا في أي استراتيجية تنموية مستقبلية. 
رهان الاستثمار

وأفاد المتحدث ذاته، أن دول الجنوب بحكم تحولات سياسية واقتصادية عميقة، باتت توفر بيئة استثمارية خصبة، وهو ما يفسر تنامي حضور المقاولات المغربية في هذه الدول، حيث يعد المغرب اليوم ثالث أكبر مستثمر في القارة الإفريقية، في مؤشر واضح على فعالية هذا التوجه.

وتابع موضحا أن المغرب يجد في هذا الفضاء الجنوبي مجالا لتكريس نموذج تعاون يقوم على مبدأ “رابح-رابح”، بخلاف العلاقات التقليدية مع الشمال التي كثيرا ما تشوبها اختلالات ناجمة عن ماض استعماري وتجاذبات غير متوازنة.

المبادرة الأطلسية 

وأوضح أقرطيط أن هذه الدينامية تنسجم مع مشروع المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب، والتي تهدف إلى إعادة هيكلة الفضاء الأطلسي على أسس جديدة، عبر تكوين إطار مؤسسي يضم أكثر من 23 دولة مطلة على الأطلسي، لا سيما من المنطقة الإفرو-أطلسية.

وأشار إلى أن المبادرة ترتكز على مقومات جغرافية وتاريخية واقتصادية مشتركة، وتشمل إعادة تهيئة شاملة للبنية التحتية، سواء من حيث الموانئ، المطارات أو شبكات الربط، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي داخل هذا الفضاء الجديد.

وأكد على أن المغرب، من خلال هذا التوجه، يسعى إلى فرض معادلة جديدة في العلاقات الدولية، تمكن دول الجنوب من امتلاك أدوات المنافسة والانخراط الفاعل في الاقتصاد العالمي، مما يعزز موقع المملكة كفاعل استراتيجي في محيطه الإقليمي والقاري.