تزايدت في الآونة الأخيرة المطالب البرلمانية بإحداث هيئات تنظيمية قادرة على مواكبة التحديات الاقتصادية واللوجستية المتسارعة، في ظل استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، في مقدمتها كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. هذا الوضع يفرض ضرورة إرساء مؤسسة وطنية ذات طابع استراتيجي تتولى مهام التنسيق والتخطيط، وتضمن الالتقائية بين مختلف القطاعات المتدخلة، بما يكفل حسن تنفيذ الالتزامات الدولية واحترام الآجال المحددة.
بعد آخر المعطيات التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص توقعات تفاقم عجز الميزان التجاري المغربي خلال السنوات المقبلة، يطرح عدد من الخبراء تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة هذا التحدي، في ظل تباطؤ الصادرات وارتفاع وتيرة الواردات بفعل الطلب الداخلي القوي.
في مشهد لم يعد نادرا، استيقظ تجار سوق "القريعة" بالعاصمة الاقتصادية على وقع حملة جمركية دقيقة نفذتها، بشكل متزامن، فرق من المفتشين والمراقبين التابعين لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وتندرج هذه العملية في سياق مقاربة جديدة تستهدف إعادة التوازن إلى سوق الاستهلاك المحلي، عبر ضرب معاقل المنتجات المقلدة ومظاهر التهرب الضريبي، دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطن أو استقرار الشغل في الأوساط الشعبية.
تبدو الآلة الاقتصادية المغربية وكأنها استعادت زخمها، مع تحقيق نمو بنسبة 4,8% خلال الربع الأول من سنة 2025، مدفوعًا بانتعاش القطاع الفلاحي، وأداء قوي للقطاعات غير الفلاحية، واستثمار عمومي نشط. لكن هذا التحسن يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا: البطالة، خصوصًا في صفوف الشباب، لا تزال مرتفعة بشكل مقلق.
كشفت المندوبية السامية للتخطيط، أن المبادلات الخارجية، للسلع والخدمات سجلت مساهمة سلبية في النمو الاقتصادي بلغت 3,8 نقطة خلال الفصل الأول من سنة 2025، مقابل 1,3 نقطة فقط خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وهو ما يعكس تفاقم الاختلالات في الميزان التجاري الوطني.
في خضم تحولات اقتصادية متسارعة، وتحديات اجتماعية متزايدة، تبرز إشكالية المالية العمومية كأحد أكبر الأوراش التي تواجهها المملكة اليوم. فبين ضرورة استكمال الإصلاحات المالية وضمان استدامة الموارد، تقف الحكومة أمام مسؤولية تأمين تمويل كاف وطويل الأمد لورش الحماية الاجتماعية، الذي يشكل حجر الزاوية في الحفاظ على السلم الاجتماعي وتعزيز العدالة الاجتماعية بالمملكة.
في الوقت الذي باتت فيه الملاعب الرياضية في عدد من دول العالم نماذج ناجحة للاستثمار الرياضي والاقتصادي، لا تزال كثير من المنشآت الرياضية بالمغرب تواجه تحديات في التحول إلى فضاءات ذات مردودية حقيقية. فالجودة المعمارية وحدها لا تكفي، بل إن النجاح يرتبط أساسا بكفاءة الحكامة، وفعالية التسويق، ومرونة النموذج الإداري.
يعيش المغرب اليوم دينامية تنموية متسارعة، مدفوعة برؤية اقتصادية واضحة تهدف إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام وتوسيع قاعدة الاستثمار وتحسين البنية التحتية. وفي هذا السياق، تطرح مسألة توجيه الاستثمارات العمومية والخاصة كأحد المحاور الحاسمة لضمان تحقيق مردودية اقتصادية طويلة الأمد، خصوصا مع انخراط البلاد في مشاريع كبرى تستهدف قطاعات النقل، السياحة، الطاقة، والمرافق الرياضية.
رغم أن الحدث الكروي العالمي لسنة 2030 سيجلب للمغرب زخما دوليا واستثمارات ضخمة، إلا أن الرهان الأكبر يظل في كيفية استثمار هذه المنشآت الرياضية بعد نهاية المنافسات. فالملاعب لا ينبغي أن تبقى مجرد بنيات ضخمة تفتح في المناسبات، بل يفترض أن تتحول إلى مراكز اقتصادية وثقافية نشيطة، تساهم في خلق الثروة وتحريك عجلة التنمية المحلية.
تعتبر المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لأي اقتصاد طموح يسعى إلى تحقيق التوازن الاجتماعي والنمو الشامل. لكنها، في السياق الوطني، تبدو وكأنها تخوض معركة غير متكافئة في ظل بيئة يصفها بعض الخبراء بـ"غير المهيأة". فما الذي يعوق فعليا إقلاع هذا النسيج المقاولاتي رغم كثرة البرامج والدعم المعلن؟ وهل يعكس واقع الإفلاس الجماعي لهذه المقاولات فشل السياسات العمومية المتعاقبة؟